lundi, septembre 25, 2006

وداعا يا أعز الناس / 1


يا لسخرية القدر
تعرفت عليها في المصحة وفقدتها في نفس المصحة...والاغرب ان اسم المصحة هو "عشاق"نسبة لاسم صاحبها...كنت أرقد يومها في الغرفةرقم 13لاجراء عملية بسيطة وفقدتها في الغرفة رقم 11حيت فارقت هي الحياة بعد صراع مع المرض..اعتنت بي وانا مريض لانها كان تشتغل ممرضة هناك واعتنيت بها في لحظات حياتها الاخيرة...دار الزمن دورته بسرعة رهيبة لم نشعر بها...عشنا خلالها أياماسعيدة وأخرى حزينة...ولكن سيدتي كانت السعادة نفسها...وهبتني ما كنت أحلم به...لم ينقصني شيئ معها...علمتني الصبر على الشدائد لانها صبرت على مرضها الذي كان ينخر جسمها ببطء شديد...كنت آلاحظ عياءها الشديد ونحول جسمها يوما بعد يوم ولحظة بعد لحظة...كنت ألاحظ صبرها وهي تواجه المرض بقوة وعزيمة تريد منه أن يتركها تضيف أياما الى عمرها لتعيش وترى...بكيت وبكيت...في صمت وعلانية دمعت عيناي حتى جفت...ثم يمتلأ خزان الدمع بسرعة كلما مرت بي لحظة وافتكرتها أو رأيت مكانا كانت تجلس فيه...لن أوفيهاحقها مهما فعلت ومهما حاولت...لن أصفها فهي فوق الوصف...ولن أتكلم عليها فهي فوق الكلام
رأيتها وهي حية بجانبي...رأيتها وهي تصارع المرض...رأيتها وهي فوق سرير المصحة...رأيتها وهي جثة هامدة بعد حين...رأيتها ووجهها مغطى في غرفة بالمنزل "والغسالة"تغسل جسدها قبل الدفن...رأيتها و"الفقيه" يخيط كفنها ويسويه...رأيتها وقد وضعوها وسط صالة كبيرة فوق زربية خضراء يقرؤون عليها آيات من الذكر الحكيم...رأيها وهم يخرجونها من بيتها محمولة على حمالة ويضعونها في سيارة نقل الموتى...رأيتها والاهل والجيران يتصايحون باسمها ويبكونها...رأيتها وهم يدخلونها الى المسجد ليصلوا عليها صلاة الجنازة بعد اداء صلاة الظهر...رأيتها وهم يعيدونها الى السيارة لنقلها الى متواها الاخير...رأيت السيارات تتبعها والناس يلاحقون الموكب...رأيت العيون دامعة حولها والوجوم والرهبة....الكل كان يحبها ويحترمها حتى الصبية الصغار ...رأيت لحظة وصولك الى المقبرة...رأيت حفاري القبور يتممون عملهم ويهيؤون لك بيتك الجديد...رأيتهم يخرجونك من السيارة ويحملونك الى حفرة تكوم التراب حولها وهي تستعد لاستقبالك....رأيتهم يضعونك في القبر ببطء شديد واقتربت أكثر من الحفرة وتطلعت اليها...كانت تربتها صفراء مضيئة بأشعة الشمس....هذا هو مكانك الدائم وبيتك الذي لن تخرجي منه أبدا...رأيتهم يسوونك جيدا ويضعونك على جانبك الايمن ويزيحون بعض الخيوط من الثوب الذي يلفك...رأيتهم يغطون قبرك بالواح من الحجر مستطيلة ثم يرمون فوقهاالتراب...تراب فوق تراب حتى غطي القبر ولم أعد أراك...لن أراك بعد اليوم الا في الحلم أو في بعض الحلم أو في ذرات ذكريات عالقة في دواخلي...كنت في حالة يرثى لها...دمع يتساقط وغصة في القلب وألم فراق شديد الوقع على نفسي...تمنيت صادقا مكانا لي بجانبك...تمنيت صادقا ان تنشق الارض وترميني بقربك ولو للحظة ولتكن آخر لحظة من عمري....انتبهت الى موقع قبرك....يا لسخرية القدر...انه بالقرب من شجرة تين ضخمة....كنت تحبين التين كما تحبين الحياة...أكلت منه الكثير وأنت حية والآن تظللك اغصانه واوراقه...كتب علينا أن نلتق في يوم أليم وان نفترق في يوم أليم...هو قدرنا...ذلك ما سطرته الاقلام....وداعا يا أعز الناس...وداعا يا أرق مخلوق عرفته...لن أودعك بكلمات الحب والغرام والهيام...سأودعك في كل لحظة أفتكرك فيها فذلك سيطفئ بعضا من النار التي اشتعلت داخلي ولاتتركني أنام...حلمي الان أن أراك في حلم وأراك تقبلين علي وتناجيني...متأكد انك ستزوريني ليلة من الليالي...سأنتظرك ولو لبقية عمري ان كانت فيه بقية...لقد فقدت كل شيئ وأصبحت لاشيئ بلا شيئ...وداعا يا أعز الناس

2 commentaires:

layal a dit…

ربنا يصبرك
وعظم الله اجرك

انه رمضان قد عاد فبادر بالدعاء لها
رمضان كريم

Unknown a dit…

شكرا اختي "ليالي" على كلماتك الطيبة التي خففت من وقع الصدمة...اتمنى لك كل خير