samedi, juillet 22, 2006

ديكتاتورية جدتي

جدتي كانت ترعبني،خاصة إذا أمرتني ولم أنفذ لها أمرا...كنت أقف أمامها كفرخ دجاجة مبتل،فأنظر الى تلك الخطوط الحازمة المرسومة على جبينها...خيوط عبوس لاترتخي أبدا...وعندما تتشابك تلك الخطوط أكثرتنقطع أنفاسي ويصفر وجهي وأحاول الهرب ولكن أتسمر في مكاني رعبا...كانت لها قوة جامحة في إعطاء الأوامر وانتظار التنفيذ بأقصى سرعة ممكنة...حتى الذباب كان يهابها فلا ينزل على رأسها أو أنفها ولا يقترب من مكان توجد هي فيه...هي الآمر الناهي في البيت الكبير...هي الملكة والحاكمة والقاضية...تجلس منذ الصباح الباكر على زربية الصلاة والسبحة في يدها اليمنى،وتضع أمامها عصى تتوكأ عليها وتبدأ منذ صياح الديك في إعطاء الأوامر للصغير والكبير...صوتها كان يزلزل الأركان وينزل كالصاعقة على الأذان...الويل لمن لم يسمع والويل لمن سمع ولم ينفذ...أجلس مرات في ركن غير بعيد عنها وأتابع حركاتها وسكناتها...شفتاها الغليظتان لاتكفان عن التمتمة وكأنها تخاطب جني غير مرأي...عيناها تدوران ولاتكفان عن الدوران في كل الاتجاهات تبحث عن هفوات الآخرين...ترقب الذبابة وهي تحط فوق كأس الماء بجانبها،فتشير بعصاها في اتجاه الذبابة وأفهم أنه يتوجب علي حمل الكأس وتنظيفه من جديد ووضعه بجانبها في مكانه المعتاد...حركات عصاها كانت تفهم بسرعة من كل ساكنة البيت الكبير...خبطة بالعصا فوق الفراش تعني أن هناك غبارا ويجب القيام با للازم...ضرب العصا بالأرض تعني الجري فورا إليها لمساعدتها لدخول الحمام...شبك العصا بأصابعها تعني أن العاصفة قادمة وأنها غير سعيدة لشيئ ما...مد العصا بجانبها في سكون يعني أن الأجواء صافية وأنها راضية عن الكل...وعندما تغفو ترفع حالة الطوارئ حتى إشعار آخر...جدتي لم تكن تحب أبدا وشوشة زوجات أبنائها أو اجتماعاتهم المصغرة أو ضحكاتهم الهازئة،تعرف أن ذلك يحد من سلطاتها في البيت الكبير ويفقدها السيطرة عليهن...فكانت تتعامل مع كل واحدة بطريقة خاصة حسب ماتقتضيه الظروف والأحوال لتكريس الاستحواد والاستفراد بالقرار...فزوجة ابنها الأكبر كانت تعاملها بطريقة استعلائية،فتنظر إليها دائما من أعلى،ولاتترك فرصة تمر دون أن تحط من شأنها ببضع كلمات مستفزة للأعصاب...فهي تعتبرها غريبة عن الأسرة بسبب انتمائها الى عائلة بدوية من الجبل...هي تريد أن تحشرها دوما في الزاوية وتعطي بها المثال للأخريات حتى تعرفن حق قدرهن ولاتتطاولن عليها...وبالمقابل فكانت زوجة ابنها الأوسط محط اهتمامها وذراعها اليمنى في التنفيذ وكاتمة أسرارها والموصلة لتعليماتها والمراقبة السرية لكل الحركات والسكنات في البيت الكبير...فهي كانت تلعب دور الجاسوسة...فهي عيناها وأذنها...ومقابل تلك الخدمات الجليلة ،كانت جدتي تغدق عليها الهدايا وتفتخر بها أمام الأخريات وتجلسها دائما بجانبها وتمسح على رأسها...أما زوجة ابنها الصغير فكانت تتلقى كل أنواع الإهانات المباشرة وغير المباشرة من طرف جدتي..فلا تمر دقيقة دون أن تناديها بصوتها المزمجرلأتفه الأسباب،وتوكل إليها بالمهمات الصعبة من كنس وغسل وطبخ ونفض الزرابي ومسح الغبار والذهاب الى السوق وعجن الخبز والذهاب به الى فرن الحي...كانت المسكينة لاتقدر على رفع عينيها أمام جدتي من شدة الخوف والرعب ولامناص لها من تنفيذ تعليماتها بسرعة ودقة متناهيتين وإلا فإن السب والشتم والإهانة ستكون من نصيبها طوال اليوم...كنت أرق لحال هذه المرأة المرعوبة وهي زوجة عمي...فتراني أسرع مرات لمساعدتها في بعض المهام لأنقص بعضا من تعاستها...ولن أنسى أبدا نظراتها الحزينة ودمعات تريد القفز من عينيها...أحس بها والنار تغلي بداخلها وكراهية شديدة تريد أن تفجرها في وجه جدتي الديكتاتورية...لكنها لاتقدر على ذلك وتتطلع بعينيها الى السماء...فهي مشلولة الفكروالحواس كلما وقفت أمام الديكتاتورة...أعترف بأني كنت لا أحب جدتي ولاأكن لها أي احترام...كنت أخاف منها ومن قسوتها...أعترف بأني كنت أتمنى الموت لها ووضعها في القبر بأقسى سرعة ممكنة للخلاص من صوتها الهادر...فهي لم تكن أبدا طيبة ولا مهادنة ولاحساسة،بل كانت سيئة السمعة في البيت الكبير...الكل يكرهها الكل يهادنها والكل ينافقها ويتملق اليها ليتجنب غضبها...أعترف بأنها غرست في الخوف والتردد والرهبة وأن ذلك سيترك أثره على حياتي ومعاملاتي مع أبنائي مستقبلا...وكإنسان بالغ فانا محتاج الى علاج يخلصني من آثار ديكتاتورية جدتي...أريد أن أكون سويا وطبيعيا حتى لاأنظريوما الى أعماقي فيطالعني شبح جدتي ووجه ديكتاتور...لا أريد أحدا أن ينعتني بالديكتاتور...الديكتاتورية شيئ مقرف،وجدتي كانت ديكتاتورية...فكانت جدة مقرفة